--------------------------------------------------------------------------------
بسم الله الرحمن الرحيم
قال الله تعالى: {ياأيُّها الَّذين آمنوا اجتنِبُوا كثيراً من الظَّنِّ إنَّ بعضَ الظَّنِّ إثمٌ ولا تَجسَّسوا ولا يغْتَبْ بعْضُكُم بعضاً أيُحِبُّ أحدُكُمْ أن يأكلَ لحمَ أخيهِ مَيْتاً فكرهْتُمُوهُ واتَّقوا الله إنَّ الله توَّابٌ رحيمٌ(12)}...سورة الحجرات
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: «قيل يارسول الله: ما الغيبة؟ قال: ذكرك أخاك بما يكره، قيل: أفرأيت إن كان في أخي ما أقول؟ قال: إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته، وإن لم يكن فيه ما تقول فقد بَهَتَّهُ» (رواه الترمذي وصححه)
حرَّم الله على عباده المؤمنين التجسُّس: وهو تتبُّع عورات المسلمين خفية دون علمهم، والتنقيص من كراماتهم والتشهير بهم لأي سبب كان. ويأتي التجسُّس في المرتبة التالية لسوء الظنِّ، وبه يخرج صاحب الظنِّ السيء من دائرة التفكير الداخلي الضمني، إلى حيِّز العمل والسلوك الحسِّي الخارجي، فيعمد إلى هذا التصرُّف بحثاً عن النقائص وسعياً وراء إبراز الأخطاء ونشرها. إن القرآن الكريم يحارب هذا السلوك الدنيء من الناحية الأخلاقية، ويدعو إلى تطهير القلب من هذا المرض تمشِّياً مع أهدافه وروحه، فقد أخرج أبو داود وغيره عن أبي بَرزة الأسلمي قال: «خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا معشر من آمن بلسانه، ولم يدخل الإيمان إلى قلبه، لا تتَّبعوا عورات المسلمين، فإنَّ من تتبَّع عورات المسلمين، فضحه الله في قعر بيته». ويحذِّرنا النبي صلى الله عليه وسلم من الأمراض الفتَّاكة الَّتي إن حاقت بالمجتمع مزَّقته، وإن تخلَّلت صفوف الأحباب باعدتهم، فنهانا عن التجسُّس، وعن التحسُّس (هو الاستماع إلى حديث القوم وهم له كارهون، أو التسمُّع على أبوابهم)، وحذَّرنا من التباغض، والقطيعة؛ فقد جاء في الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إيَّاكم والظن، فإن الظنَّ أكذب الحديث، ولا تجسَّسوا ولا تحسَّسوا ولا تحاسدوا ولا تباغضوا ولا تدابروا، وكونوا عباد الله إخواناً، ولا يَحِلُّ لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاثة أيام».
ولا ينبغي لأحد أن يذكر الآخرين بما يكرهون ولو كان صادقاً في حديثه عنهم، فلا يحقُّ له أن يشيع أخبار السوء عنهم، لما في ذلك من أذى لهم، وإيغارٍ لصدورهم، وتفريقٍ لشملهم. قال الحسن رضي الله عنه : (الغيبة ثلاثةُ أَوجُهٍ كلُّها في كتاب الله: الغيبة والإفك والبُهتان، فأمَّا الغيبة: فهي أن تقول في أخيك ما هو فيه، وأمَّا الإفك: فأن تقول فيه ما بلغك عنه، وأمَّا البُهتان: فأن تقول فيه ما ليس فيه، أي أن تختلق أنت رواية كاذبة عنه). وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: «قيل يارسول الله: ما الغيبة؟ قال: ذكرك أخاك بما يكره، قيل: أفرأيت إن كان في أخي ما أقول؟ قال: إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته، وإن لم يكن فيه ما تقول فقد بَهَتَّهُ» (رواه الترمذي وصححه)
. ونرى أن القرآن يعرض مشهداً تتأذَّى منه كلُّ النفوس حتى أشدها غلظة، وجميع القلوب حتى أدناها رقة، إنه مشهد أَكْلِ الإنسان لحم أخيه ميتاً، ثم يبادر فيعلن نيابة عنهم أنهم كرهوا هذا العمل المثير للاشمئزاز، فكان لزاماً عليهم أن يكرهوا الغيبة كراهيتهم لهذا العمل. روى أبو داود بإسناده عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «لما عُرِجَ بي مررتُ بقوم لهم أظفار من نحاس يخمشون وجوههم وصدورهم، قلت: من هؤلاء ياجبرائيل؟ قال: هؤلاء الَّذين يأكلون لحوم الناس ويقعون في أعراضهم»، وأخرج ابن مردويه والبيهقي عن أبي سعيد وجابر رضي الله عنهما قالا: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «الغيبة أشدُّ من الزنى. قالوا: يارسول الله! وكيف الغيبة أشدُّ من الزنى؟ قال: إن الرجل ليزني فيتوب؛ فيتوب الله عليه
وإن صاحب الغيبة لا يُغْفَرُ له حتى يغفرها له صاحبه».
كما نهى الله تعالى المؤمنين عن النميمة؛ لكونها داءً يفتك بسلامة المجتمع، ويمزِّق وحدته وتماسكه، وهي السعي بين الناس بالكلام، أي نقل كلام بعضهم إلى بعض على وجه الإفساد بينهم، وهي من كبائر الذنوب، ولو كان صاحبها صادقاً فيما ينقله، كأن يَسْمَعَ شخصاً يذمُّ آخر في غيبته فينقل ما سمعه إليه دون زيادة. وقد شبَّهها النبي صلى الله عليه وسلم بالعَضْهِ وهي الذَّبيحة الَّتي تُقطَّع أعضاؤها فتفرَّق عن بعضها بعضاً، وذلك لأنها تفرِّق بين الأحبَّة، فعن عبد الله رضي الله عنه قال: إن محمَّداً صلى الله عليه وسلم قال: «ألا أنبئكم ما العَضْهُ هي النميمة القالَةُ بين الناس»
(رواه مسلم).
وعن حذيفة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «لا يدخل الجنَّة نمَّام»
(رواه مسلم).
ْ