الإبداع، كلمة كثيرا ما تستخدم فى حياتنا اليومية، وتمر بنا فى أحاديثنا، ولكن وراء هذه الكلمة معنى أكبر بكثير مما نتصور، فهو أساس تطور الأمم، وهو مفتاح التقدم الذى يمكننا من الولوج فى عالم التكنولوچيا والعلوم المتقدمة. فالإبداع هو التفكير بشكل لم يسبق أن قام به أحد. حتى فى أبسط أشكاله، يمكن للإبداع أن يشكل كل الفارق فى حياتنا. وقد أصبح مصطلح صناعة الفكر رمزا لهذا الفارق العظيم الذى يمكن أن ينتج عن الفكر المبدع الخلاق. وهذه الصناعة هى صناعة المستقبل، فهى التى تغذى جميع المجالات بالأفكار الجديدة القابلة للتطبيق والنجاح. فلا عجب أن تجد كبرى الشركات تخصص نسبة ضخمة من أرباحها للأبحاث والتطوير؛ فمصيرها مرتبط بمدى الإبداع الموجود فى منتجاتها، لكى يتفوق على المنافسين الآخرين. ولفهم الإبداع فهما جيدا، يجب النظر إليه فى منظومته الكلية، فهو ليس فعلا تقوم به، بل هى عملية متعددة المراحل، يكون نتاجها الفكر المبدع الجديد.
لكل شىء بداية، والإبداع ليس استثناءً، فلكى يتم الإبداع يجب أن يكون هناك مبدع، وهو العنصر البشرى الذى ترتكز عليه هذه العملية، ويكون له الدور الرئيسى فى نجاحها أو فشلها. هذا المبدع هو أيضا نتاج منظومة تعليمية ومعيشية وهذه المنظومة هى التى تشكل فكر هذا الإنسان، وقد تقوده لكى يكون إنسانا مبدعا، أو أن يكون عالة على المجتمع. فللتعليم دور مهم فى تنمية الفكر، هو هذا الدور الذى يبدأ منذ الطفولة، عن طريق زرع روح الابتكار والإبداع لدى الإنسان، ليكون منتجا للمعرفة، وليس مستهلكا لها فحسب، والدور الآخر الذى تقوم به المؤسسات التعليمية هو الاهتمام بالمواهب وبذوى القدرات الخاصة، ومساعدتهم على تنمية هذه القدرات والمواهب لكى نصل بها إلى أفضل مستوى ممكن. وبذلك يكون الإنسان معدا فكريا للإبداع، ومستعدا لتقبل مبدأ الفكر الجديد الخلاق. وبعد الاستعداد الفكرى يجب أن يكون هناك استعداد نفسى تجاه البيئة المحيطة بالمبدع، فيجب على هذه البيئة أن تكون محفزة على الإبداع، وأن تكون هى أيضا عملا مبدعا. فلا يستطيع أى إنسان أن يبدع إذا كان همه الأول والأخير هو الصراع اليومى الذى يعيشه لكى يحصل على قوت يومه. ولذلك يجب على هذه البيئة المحيطة بالمبدع أن تكون مجزية ماديا ونفسيا للمبدع لكى يحس بدوره الحيوى فى المجتمع. أما العنصر الثالث فهو حاجة المجتمع إلى الإبداع، فللاتجاه العام للمجتمع دور كبير فى تحديد مستقبله، فهناك بعض المجتمعات الرجعية التى إذا استمرت بهذا التفكير، فلن تصل إلا إلى التخلف، أما المجتمعات الواعية المقبلة على التقدم، فتعى دور الابتكار والإبداع فى جميع المجالات، ولذلك تشجعه. وبعد اكتمال هذه العناصر الثلاثة يبقى شىء أخير؛ هو القيام بعملية الإبداع وعدم مقاطعتها، فكم من أعمال وأبحاث توقفت قبل أن تأتى بثمارها، ولذلك فلابد من توافر الدعم لمراكز الإبداع لكى تستطيع أن تعطى كما نتوقع، فالإبداع غالى الثمن، ولكن قيمته تفوق ثمنه مرات عدة. وقد يختلط الأمر على بعض الناس فى التفرقة بين الإبداع والاختراع، ولكن هناك فرقا؛ هو أن الاختراع يكون صنع شىء لم يكن موجودا من قبل، أما الابتكار فهو التفكير فى شىء بطريقة لم يتم التفكير بها من قبل، حتى وإن كان ذلك فى أبسط المجالات أو التطبيقات، وإن كان أحدهما يؤدى إلى الآخر، فمن المؤكد أن الإبداع يؤدى إلى الاختراع، والإبداع لا تحده حدود، فهو يشمل جميع المجالات، وجميع أنشطة الإنسان، الاقتصادية والهندسية والطبية منها.
الإبداع غالبا ما يبدأ بفكرة بسيطة يتم تقليبها على وجوهها المختلفة، وتطويرها، حتى يتم الوصول إلى نتيجة مفيدة، وقد يكون الإبداع عملا جماعيا يضم كثيرا من الناس ذوى الخلفيات والأفكار المختلفة؛ وهو ما يساعد على إثراء هذه العملية وإعطاء نتائج أفضل، فالعمل الجماعى أساس كل مشروع ناجح، سواء كان علميا أو تجاريا أو هندسيا. ومن هنا جاء مفهوم تعاصف الأذهان الذى يطبع الحالة التى تكون فيها الأذهان، وهى فى قمه إبداعها وعطائها. وعلى مر التاريخ اتهم البدعون بالجنون والهذيان، فهم كانوا ينطقون بأشياء لم تسمع من قبل، وللسخرية فمازال هذا يحدث حتى يومنا هذا. فهناك فئة من الناس ذات فكر منغلق، غير متقبل للتغيير والتقدم، وهذا النوع من الفكر السلبى يعوق الإبداع، ويقف فى طريقه، حتى إنه قد يشكل أحد أكبر المشاكل التى تواجه المبدعين فى مجال الصناعة، فعند إنتاج أى منتج جديد يتم تسويقه بحذر تام لكى يقبل الناس عليه، ولا يرفضونه بوصفها تكنولوچيا جديدة طارئة على المجتمع. فالإبداع هو القيمة المضافة الحقيقية التى يمكن أن يضيفها الإنسان، حتى إنه فى ظل التقدم، أصبحت الملكية الفكرية من أكبر الثروات، ومن أهم الأملاك التى يسعى الجميع لامتلاكها. فأبدع فإنها هدية منحت لك، ومن منع نفسه عن الإبداع فهو المخطئْ