على أرض الرسالات السماوية إلى البشر، على أرض فلسطين ولد الشعب العربيالفلسطيني، نما وتطور وأبدع وجوده الإنساني عبر علاقة عضوية، لا انفصامفيه ولا انقطاع، بين الشعب والأرض والتاريخ.
بالثبات الملحمي في المكانوالزمان، صاغ شعب فلسطين هويته الوطنية، وارتقى بصموده في الدفاع عنها إلىمستوى المعجزة، فعلى الرغم مما أثاره سحر هذه الأرض القديمة وموقعهاالحيوي على حدود التشابك بين القوى والحضارات… من مطامح ومطامع وغزواتكانت ستؤدي إلى حرمان شعبها من إمكانية تحقيق استقلاله السياسي، إلا أنديمومة التصاق الشعب بالأرض هي التي منحت الأرض هويتها، ونفخت في الشعبروح الوطن، مطعما بسلالات الحضارة، وتعدد الثقافات، مستلهما نصوص تراثهالروحي والزمني، واصل الشعب العربي الفلسطيني، عبر التاريخ، تطوير ذاته فيالتواجد الكلي بين الأرض والإنسان على خطى الأنبياء المتواصلة على هذهالأرض المباركة، على كل مئذنة صلاة الحمد للخالق ودق مع جرس كل كنيسةومعبد ترنيمه الرحمة والسلام.
ومن جيل إلى جيل، لم يتوقف الشعب العربيالفلسطيني عن الدفاع الباسل عن وطنه ولقد كانت ثورات شعبنا المتلاحقةتجسيداً بطوليا لإرادة الاستقلال الوطني.
ففي الوقت الذي كان فيهالعالم المعاصر يصوغ نظام قيمة الجديدة كانت موازين القوى المحليةوالعالمية تستثني الفلسطيني من المصير العام، فاتضح مرة أخرى أن العدلوحدة لا يسير عجلات التاريخ.
وهكذا انفتح الجرح الفلسطيني الكبير علىمفارقة جارحة: فالشعب الذي حرم من الاستقلال وتعرض وطنه لاحتلال من نوعجديد، قد تعرض لمحاولة تعميم الأكذوبة القائلة "إن فلسطين هي أرض بلا شعب"وعلى الرغم من هذا التزييف التاريخي، فإن المجتمع الدولي في المادة 22 منميثاق عصبة الأمم لعام 1919، وفي معاهدة لوزان لعام 1923 قد اعترف بأنالشعب العربي الفلسطيني شأنه شأن الشعوب العربية الأخرى، التي انسلخت عنالدولة العثمانية هو شعب حر مستقل.
ومع الظلم التاريخي الذي لحق بالشعبالعربي الفلسطيني بتشريده وبحرمانه من حق تقرير المصير، أثر قرار الجمعيةالعامة رقم 181 عام 1947م، الذي قسم فلسطين إلى دولتين عربية ويهودية،فإنهذا القرار مازال يوفر شروطاً للشرعية الدولية تضمن حق الشعب العربيالفلسطيني في السيادة والاستقلال الوطني.
إن احتلال القوات الإسرائيليةالأرض الفلسطينية وأجزاء من الأرض العربية واقتلاع غالبية الفلسطينيينوتشريدهم عن ديارهم، بقوة الإرهاب المنظم، واخضاع الباقين منهم للاحتلالوالاضطهاد ولعمليات تدمير معالم حياتهم الوطنية، هو انتهاك صارخ لمبادئالشرعية ولميثاق الأمم المتحدة ولقراراتها التي تعترف بحقوق الشعبالفلسطيني الوطنية، بما فيها حق العودة، وحق تقرير المصير والاستقلالوالسيادة على أرضه ووطنه.
وفي قلب الوطن وعلى سياجه، في المنافيالقريبة والبعيدة، لم يفقد الشعب العربي الفلسطيني إيمانه الراسخ بحقه فيالعودة، ولا إيمانه الصلب بحقه في الاستقلال، ولم يتمكن الاحتلال والمجازروالتشريد من طرد الفلسطيني من وعيه وذاته- ولقد واصل نضاله الملحمي، وتابعبلورة شخصيته الوطنية من خلال التراكم النضالي المتنامي. وصاغت الإرادةالوطنية إطارها السياسي، منظمة التحرير الفلسطينية، ممثلاً شرعياً ووحيداًللشعب الفلسطيني، باعتراف المجتمع الدولي، متمثلاً بهيئة الأمم المتحدةومؤسساتها والمنظمات الإقليمية والدولية الأخرى، وعلى قاعدة الإيمانبالحقوق الثابتة، وعلى قاعدة الإجماع القومي العربي، وعلى قاعدة الشرعيةالدولية قادت منظمة التحرير الفلسطينية معارك شعبها العظيم، المنصهر فيوحدته الوطنية المثلي، وصموده الأسطوري أمام المجازر والحصار في الوطنوخارج الوطن. وتجلت ملحمة المقاومة الفلسطينية في الوعي العربي وفي الوعيالعالمي، بصفتها واحدة من أبرز حركات التحرر الوطني في هذا العصر.
إنالانتفاضة الشعبية الكبرى، المتصاعدة في الأرض المحتلة مع الصمود الأسطوريفي المخيمات داخل وخارج الوطن، قد رفعا الأدراك الإنساني بالحقيقةالفلسطينية وبالحقوق الوطنية الفلسطينية إلى مستوى أعلى من الاستيعابوالنضج، وأسدلت ستار الختام على مرحلة كاملة من التزييف ومن خمول الضميروحاصرت العقلية الإسرائيلية الرسمية التي أدمنت الإحتكام إلى الخرافةوالإرهاب في نفيها الوجود الفلسطيني.
مع الانتفاضة، وبالتراكم الثوريالنضالي لكل مواقع الثورة يبلغ الزمن الفلسطيني أحدى لحظات الانعطافالتاريخي الحادة وليؤكد الشعب العربي الفلسطيني، مرة أخرى حقوقه الثابتةوممارستها فوق أرضه الفلسطينية.
واستناداً إلى الحق الطبيعي والتاريخيوالقانوني للشعب العربي الفلسطيني في وطنه فلسطين وتضحيات أجيالهالمتعاقبة دفاعا عن حرية وطنهم واستقلاله وانطلاقا من قرارات القممالعربية، ومن قوة الشرعية الدولية التي تجسدها قرارات الأمم المتحدة منذعام 1947، ممارسة من الشعب العربي الفلسطيني لحقه في تقرير المصيروالاستقلال السياسي والسيادة فوق أرضه.
فإن المجلس الوطني يعلن، باسم الله وباسم الشعب العربي الفلسطيني قيام دولة فلسطين فوق أرضنا الفلسطينية وعاصمتها القدس الشريف.
إندولة فلسطين هي للفلسطينيين أينما كانوا فيها يطورون هويتهم الوطنيةوالثقافية، ويتمتعون بالمساواة الكاملة في الحقوق، تصان فيها معتقداتهمالدينية والسياسية وكرامتهم الإنسانية، في ظل نظام ديمقراطي برلماني يقومعلى أساس حرية الرأي وحرية تكوين الأحزاب ورعاية الأغلبية حقوق الأقليةواحترام الأقلية قرارات الأغلبية، وعلى العدل الاجتماعي والمساواة وعدمالتمييز في الحقوق العامة على أساس العرق أو الدين أو اللون أو بين المرأةوالرجل، في ظل دستور يؤمن سيادة القانون والقضاء المستقل وعلى أساس الوفاءالكامل لتراث فلسطين الروحي والحضاري في التسامح والتعايش السمح بينالأديان عبر القرون.
إن دولة فلسطين دولة عربية هي جزء لا يتجزأ منالأمة العربية، من تراثها وحضارتها، ومن طموحها الحاضر إلى تحقيق أهدافهافي التحرر والتطور والديمقراطية والوحدة. وهي إذ تؤكد التزامها بميثاقجامعة الدول العربية، وإصرارها على تعزيز العمل العربي المشترك، تناشدأبناء أمتها مساعدتها على اكتمال ولادتها العملية، بحشد الطاقات وتكثيفالجهود لإنهاء الاحتلال الإسرائيلي.
وتعلن دولة فلسطين التزامها بمبادئالأمم المتحدة وأهدافها وبالإعلان العالمي لحقوق الإنسان، والتزامها كذلكبمبادئ عدم الانحياز وسياسته.
وإذ تعلن دولة فلسطين أنها دولة محبةللسلام ملتزمة بمبادئ التعايش السلمي، فإنها ستعمل مع جميع الدول والشعوبمن أجل تحقيق سلام دائم قائم على العدل واحترام الحقوق، تتفتح في ظلهطاقات البشر على البناء، ويجري فيه التنافس على إبداع الحياة وعدم الخوفمن الغد، فالغد لا يحمل غير الأمان لمن عدلوا أو ثابوا إلى العدل.
وفيسياق نضالها من أجل إحلال السلام على أرض المحبة والسلام، تهيب دولةفلسطين بالأمم المتحدة التي تتحمل مسؤولية خاصة تجاه الشعب العربيالفلسطيني ووطنه، وتهيب بشعوب العالم ودولة المحبة للسلام والحرية أنتعينها على تحقيق أهدافها، ووضع حد لمأساة شعبها، بتوفير الأمن له،وبالعمل على إنهاء الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية.
كما تعلمفي هذا المجال، أنها تؤمن بتسوية المشاكل الدولية والإقليمية بالطرقالسلمية وفقاً لميثاق الأمم المتحدة وقراراتها وأنها ترفض التهديد بالقوةأو العنف أو الإرهاب، أو بإستعمالها ضد سلامة أراضيها واستقلالها السياسي،أو سلامة أراضي أي دولة أخرى، وذلك دون المساس بحقها الطبيعي في الدفاع عنأراضيها واستقلالها.
وفي هذا اليوم الخالد، في الخامس عشر من تشرنالثاني 1988 ونحن نقف على عتبة عهد جديد، ننحني إجلالا وخشوعاً أمام أرواحشهدائنا وشهداء الأمة العربية الذين أضاءوا بدمائهم الطاهرة شعلة هذاالفجر العتيد، واستشهدوا من أجل أن يحيا الوطن. ونرفع قلوبنا على أيدينالنملأها بالنور القادم من وهج الانتفاضة المباركة، ومن ملحمة الصامدين فيالمخيمات وفي الشتات وفي المهاجر، ومن حملة لواء الحرية: أطفالنا وشيوخناوشبابنا، أسرنا ومعتقلينا وجرحانا المرابطين على التراب المقدس وفي كلمخيم وفي كل قرية ومدينة، والمرأة الفلسطينية الشجاعة، حارسة بقائناوحياتنا، وحارسة نارنا الدائمة. ونعاهد أرواح شهدائنا الأبرار، وجماهيرشعبنا العربي الفلسطيني وأمتنا العربية وكل الأحرار والشرفاء في العالمعلى مواصلة النضال من أجل جلاء الاحتلال، وترسيخ السيادة والاستقلال إننا،ندعو شعبنا العظيم إلى الالتفاف حول علمه الفلسطيني والاعتزاز به والدفاععنه ليظل أبدا رمزاً لحريتنا وكرامتنا في وطن سيبقي دائما وطننا حراً لشعبمن الأحرار.