الطب والصيام
د. فواز القاسم
اختصاصي أمراض الأطفـال
MBChB DCH
ألقد شاءت قدرة الله أن يستخلف الإنسان في هذه الأرض , ويحمله أمانة إعمارها وإقامة حكم الله فيها ...
ونظرا لخطورة هذه الأمانة وأهمية ذلك الاستخلاف , بحيث أشفقت منها السموات والأرض واعتذرت عن حملها راسيات الجبال ، فقد شاءت إرادة الله أيضا , أن يكون بناء الإنسان الروحي والمادي على مستوى هذه المسؤولية العظيمة .. ولذلك فقد عني المنهج الإلهي بالإنسان عناية فائقة , وأعطى الأهمية البالغة لبنائه الروحي والفكري والعقائدي , وأكد على سلامته النفسية والجسمية , وحرص على وقايته من كل ما من شأنه أن يسبب له الانحراف والمرض , وشرع له كل ما هو ضروري لسلامة حياته وديمومتها ...
ولا نتعد الحقيقة إذا قلنا : أن ما ورد في القران الكريم - الذي هو آخر كتاب أنزله الله - من تشريعات , وما ذخرت به سيرة المصطفى (ص) -خاتم أنبياء الله - من ممارسات وتطبيقات إنما هي قوانين للحياة , والتزامها يعني سعادة البشرية ووقاية المجتمع الإنساني كله من المرض والخطيئة والشقوة ( مأخوذة من الشقاء) . وصدق الله العظيم إذ يقول : (( يا أيها الذين امنوا استجيبو لله وللرسول اذا دعاكم ما يحيييكم )) الأنفال : (23)
ومن هذه التشريعات العظيمة تشريع (( الصوم )) وهو ركن من أركان الإسلام الخمسة , وردت فرضيته في الكتاب والسنة والإجماع .. والصوم عبادة خالصة لله تعالى , والهدف الرئيسي منها تقوى الله وتزكية النفس المؤمنة , قال تعالى : بسم الله الرحمن الرحيم (( يا ايها الذين امنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون )) البقرة (183)
وللصوم الأثر الكبير في إراحة الجهاز الهضمي المتعب طيلة أيام السنة , حيث أن صيام شهر بالسنة يعني إراحة الجهاز الهضمي بمعدل يوم واحد كل اثني عشر يوما , كما أن فيه حث على الاستفادة من مخزون الشحوم والمواد الأخرى الزائدة في الجسم , حيث يفقد الكبد والطحال والعضلات ، مثلا ، ما يتراوح بين 30-60% من المواد المخزونة الفائضة .
ونقف بإجلال وإعجاب أمام القول المعجز للنبي الأمي محمد (ص) (( الصيام جُنَّة )) والجنة : هي الوقاية من الأمراض وغيرها ...
وما أكثر الحالات المرضية التي نعالجها بالصوم , سواء كان صوما جزئيا - عن نوع من الأطعمة أو أكثر - أو صوما كليا ليوم أو بعض يوم , كما نفعل في حالات الإسهال : حيث نمنع المريض من تناول الأطعمة الصلبة والدسمة ونبقيه على السوائل والماء لساعات عدة ، وذلك لإراحة الجهاز الهضمي حتى يستعيد صحته ويعود إلى طبيعته ... أو كما نفعل مع مرضى ارتفاع الضغط الدموي فنمنع عنهم الأملاح الزائدة والدهنيات. أو مع مرضى السكري : فنمنع عنهم الحلويات الزائدة ... الخ
ومن الحقائق الثابتة لدينا والتي يعرفها كل طبيب يعمل في البلاد الإسلامية التي يصوم غالبية أهلها , أن عدد مراجعي المستشفيات والعيادات يقل بصورة ملحوظة في شهر رمضان المبارك من كل عام .. اللهم إلا حالات محدودة من المفرطين في الطعام , المكثرين منه عند الإفطار , ممن لم يستوعبوا حكمة التشريع أصلا ...! ونقف مرة أخرى بإجلال وإعجاب أمام إعجاز النبي الأمي محمد (ص) الذي يقول : (( صوموا تصحّوا )) رواه الطبراني في الأوسط وأبو النعيم في الطب النووي .