بسم الله الرحمن الرحيم
(( يا أيها الناس إن كنتم في ريب من البعث ، فإنا خلقناكم من تراب ، ثم من نطفة ، ثم من علقة ، ثم من مضغة ، مخلّقة ، وغير مخلّقة ، لنبيّن لكم ، ونقرُّ في الأرحام ما نشاء إلى أجل مسمى ، ثمّ نخرجكم طفلاً ، ثمّ لتبلغوا أشدّكم ، ومنكم من يُتَوفّى ، ومنكم من يُرَدُّ إلى أرذل العمر لكيلا يعلم من بعد علم شيئاً )).
بسم الله الرحمن الرحيم
(( ولقد خلقنا الإنسان من سُلالة من طين ، ثم جعلناه نطفةً في قرار مكين ، ثم خلقنا النطفة عَلَقَةً ، فخلقنا العلقة مُضْغَةً ، فخلقنا المضغة عظاماً ، فكسونا العظام لحماً ، ثمَّ أنشأناه خلقاً آخر ، فتبارك الله أحسن الخالقين )) . المؤمنون ( 14 )صدق الله العظيم.
إن أي طبيب في العالم اليوم ، يرزقه الله نعمة تذوّق القرآن الكريم وفهمه ، وخاصة أمثال هذه الآيات العلمية التي بين أيدينا ، لا بدّ أن يعترف وبمنتهى الإجلال والإكبار ، بأن هذا القرآن لا يمكن أن يكون من صنع رجل أميّ - كان قد عاش قبل أكثر من أربعة عشر قرناً ، في بيئة عربية أمية ، كان الواحد منهم يضرب أكباد الإبل ، ويقطع الفيافي والصحارى ، فلا يكاد يجد المتعلّم و القارئ ، فضلاً عن الطبيب - بل لا بد أن يكون من عند العليم الخبير ، المبدع الحكيم ، الذي أحسن كلّ شيء خلقه ، ثم بدأ خلق الإنسان من طين ، والذي لا تخفى عليه خافية في الأرض ولا في السماء وهو السميع العليم .
لقد بقي العالم لعدة قرون يعيش في وهم النظريات التي تسمي نفسها علمية ، وليس لها - في الحقيقة - من العلمية إلا الاسم . فمرّة ، يدّعون بأن الإنسان كان قد تطور إلى صورته الحالية من الحيوانات والقردة .!!! وتارة ، يقولون بأن الإنسان مخلّق في النطفة الذكرية بصورة كاملة ، ولكن بحجم مجهري صغير ، ووظيفة الرحم هي في تكبير هذا الشكل المجهري فقط ...!!! و هكذا ... إلى أن جاء العلم الحديث ، ليثبت تخبط كل تلك النظريات و مجانبتها للحقيقة ، وليعترف للقرآن العظيم بمعجزته الخالدة في السبق العلمي الرهيب ، والذي جاء بمعلومات علمية وطبية متقدمة على العصر الذي نزل فيه بعشرات القرون ...
ومن الجدير ذكره ، بأن العلم الحديث ، وبالرغم من تطوره الهائل في المجالات الطبية ، إلا أنه لم يستطع أن يضيف للحقائق القرآنية في خلق الإنسان شيئاً يذكر ، بل لم يستطع الاستغناء ، حتى عن مراحله ، ومصطلحاته ، وألفاظه ...
وإذا ألقينا نظرة على الآيات التي بين أيدينا مثلاً ، لوجدناها تشتمل على المصطلحات الخلقية التالية :
وهي كلها مصطلحات وألفاظ علمية معجزة ، تعبّر عن مراحل خلقية مختلفة ، سنتناولها في هذا البحث بالتفصيل ، وبنفس الترتيب القرآني المعجز ...
أولاً : مرحلة التراب : (( إنا خلقناكم من تراب )) .
يؤكد القرآن الكريم ، والسنة النبوية المطهّرة ، جملة من الحقائق العلمية المذهلة ، عن أصل خلق الإنسان ، نتناولها في النقاط التالية:
من تراب : (( ومن آياته أن خلقكم من تراب ، ثم إذا أنتم بشر تنتشرون )) .الروم ( 20 )
من ماء : (( وهو الذي خلق من الماء بشراً ، فجعله نسباً وصهراً ، وكان ربك قديراً )) الفرقان (54)
من طين : ( تراب + ماء = طين ) (( وإذ قال ربك للملائكة إني خالق بشراً من طين ، فإذا سويته ونفخت فيه من روحي ، فقعوا له ساجدين )) ص ( 71)
من سلالة من طين : ( أي خلاصة من الأرض ) (( ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين )) . المؤمنون (12)
ماذا تعني هذه الحقائق .!؟
إنها تعني أن الإنسان مخلوق من طينة هذه الأرض ، بل من خلاصتها ...
ثم جاءت السنة المطهرة فألقت المزيد من الضوء على أصل الخلقة البشرية ، فقد بين الرسول (صلى الله عليه وسلم) أن الله تعالى أمر جبريل (ع) ، أن يحضر له حفنة من تراب الأرض ، من مواضع مختلفة ، ففعل . ثم أمر تعالى أن يراق فوقه الماء حتى صار طيناً ، ثم صوره على شكل إنسان ، وتركه ما شاء الله أن يتركه تحت أشعة الشمس حتى أحرقته ، فتحول إلى فخار ، أو بتعبير القرآن ( حمأ مسنون ) ، فجعلت الملائكة تطوف به ، وتعجب منه ، وجعل إبليس يطوف به أيضاً ، ويسخر منه ..!
ثم نفخ الله فيه من روحه ، وعلّمه من علمه ، وأسبغ عليه من مهابته ، وأسجد له ملائكته ، وفضّله على كثير ممن خلق تفضيلاً ...
روى البيهقي وأبو داوود والترمذيّ وغيرهم : أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) قال :
(( إن الله خلق آدم من قبضة قبضها من جميع الأرض ، فجاء بنو آدم على قدر الأرض ، جاء منهم الأحمر والأسود والأبيض وبين ذلك ، والسهل والحزن والخبيث والطيب . ثم بلّت طينه حتى صارت طيناً لازباً ، ثم تركت حتى صارت حمأً مسنوناً ، ثم تركت حتى صارت صلصالاً ، قال تعالى : ولقد خلقنا الإنسان من صلصال من حمأٍ مسنون )) الحجر(26) . قصص الأنبياء (39) .
وروى الحافظ أبو يعلى عن أبي هريرة (رض ) قال : قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) :
(( إن الله خلق آدم من تراب ، ثم جعله طيناً ، ثم تركه حتى إذا كان حمأً مسنوناً ، خلقه الله وصوره،
ثم تركه حتى إذا كان صلصالاً كالفخار ، قال : فكان إبليس يطوف به فيقول : لقد خُلقت لأمر عظيم!
ثم نفخ فيه من روحه ...إلخ ... )) قصص الأنبياء ( 41 ) .
هذا ما قاله القرآن الكريم والسنّة المطهرة ، عن أصل الإنسان قبل أكثر من أربعة عشر قرناً ، فماذا قال العلم الحديث يا ترى .!؟
لقد أجرى العلماء تحليلاً دقيقاً لمكوّنات الأرض ، فوجدوا فيها أكثر من مائة عنصر من عناصر الطبيعة المعروفة حتى الآن ... كما أجروا تحليلاً لجسم الإنسان نفسه ، فوجدوه مكوّناً من حوالي ثلاثة وعشرين عنصراً هي خلاصة عناصر الأرض ، أو العناصر المهمة فيها
ومن مجموعهما يتكون الماء ، الذي هو أصل الحياة ، والذي يشكل حوالي 70% من جسم الإنسان ، ومن الأرض أيضاً ...
قال تعالى مؤكداً هذه الحقيقة العلمية : (( وجعلنا من الماء كل شيء حيّ )) الأنبياء (30 ) .
وهذه العناصر الأربعة تشكل أساس المواد العضوية ( السكريات ، البروتينات ، الدهنيات ، الفيتامينات ، الهرمونات ، والخمائر أو الإنزيمات ).
وصدق الله العظيم الذي قال في قرآنه المعجز : (( ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين )) أي من خلاصة الأرض ... وهذه هي الحقيقة بعينها .. فتبارك الله أحسن الخالقين ...!!!