الموقع والتسمية
نشأت مدينة الخليل في موقع له خصائص مميزة ساهمت في خلق المدينة وتطورها ونموها. تقع الخليل في جنوب غرب الضفة الغربية عند التقاء دائرتي عرض 31,29ْ و 31,23ْ شمالاً وخطي عرض 35,4- 25,70ْ وهذا الموقع جعل الخليل في موقع متوسط نسبياً بالنسبة لفلسطين إلا أنها أقرب إلى الشمال الشرقي منه من الجنوب الغربي وقد أنشئت المدينة على سفحي جبل الرميدة وجبل الرأس.
وقد أطلق الكنعانيون على هذه المدينة اسم أربع نسبة إلى ملكها العربي الكنعاني أربع المنتمي إلى قبيلة العناقيين ثم عرفت باسم حبرون أو حبري ، ولما اتصلت المدينة ببيت إبراهيم على سفح جبل الرأس المقابل له سميت المدينة الجديدة بالخليل نسبة إلى خليل الرحمن النبي إبراهيم عليه السلام، وعندما احتلها الصليبيون عام 1099م أطلقوا عليها اسم إبرا هام ثم عادت إلى اسمها الخليل بعد جلاء الصليبين عنها
الخليل عبر التاريخ :
تشير الآثار إلى أن تاريخ مدينة الخليل يعود إلى أكثر من 3500 سنة ق.م. حيث كانت تدعي قرية أربع بمعني أربعة نسبة إلى منشئها الملك أربع العربي الكنعاني المنتمي إلى قبيلة العناقيين، وقد حكمت المدينة من قبل الكعنانيين في الفترة ما بين 3500-1200 ق.م. وقد وفد إليها النبي إبراهيم عليه السلام في القرن التاسع عشر ق. م وقد دفن فيها هو و زوجته سارة وولده إسحاق وزوجته رفقة، ويعقوب وولده يوسف بعد أن نقلت جثتيهما من مصر.
ثم خضعت المدينة لحكم العبرانيين الذين خرجوا مع موسى من مصر وأطلقوا عليها اسم حبرون وحبرون اسم يهودي يعني عصبة- صحبة- أو اتحاد، ثم اتخذها داود بن سليمان قاعدة له لأكثر من سبع سنين. أما عن السور الضخم الذي يحيط بالحرم الإبراهيمي الشريف في الوقت الراهن فيرجح إلى بقايا بناء أقامة هيرودوس الأدوي الذي ولد المسيح عليه السلام في آخر أيام حكمة مع الأخذ بعين الاعتبار أن الشرفات في أعلى السور إسلامية.
وقام الرومان بإقامة كنيسة على مقبرة إبراهيم وعائلته في عهد الإمبراطور يوستنياتوس (527-565) ولكنها هدمت من قبل الفرس بعد ذلك سنة 614م.
ثم خضعت الخليل للحكم الإسلامي عام 638، حيث تم الاهتمام بالمدينة بشكل واضح لأهميتها الدينية، إذ تضم رفات عدداً من الأنبياء خاصة خليل الرحمن.
فعلى سبيل المثال بنى الأمويون سقف الحرم الحالي والقباب الواقعة فوق مراقد إبراهيم ويعقوب وزوجاته كما قام الخليفة العباسي المهدي (774-785م) بفتح باب السور الحالي من الجهة الشرقية، كما بني العباسيون المراقى الجميلة من ناحيتي الشمال والجنوب، وكذلك القبة التي تعلو ضريح يوسف عليه السلام، وفي عهد الدولة الفاطمية خصوصاً في عهد المهدي افتتح مشهد الخليل مع تزيين الأخيرة بالفرش والسجاد.
وقد وصفت الخليل في العديد من كتب الرحالة مثل كتاب المسالك والممالك للأصطخري الذي ألفه عام 951م وفتوح البلدان للبلاذري، وكتابة أحسن التقاسيم في معرفة الأقاليم للمقدسي عام 985م وغيرهم، وفي عام 1099 سقطت الخليل في يد الصليبين وأطلقوا عليها اسم ابراهام، وفي عام 1168م أصبحت مركزاً لأبرشيه وهي كلمة يونانية تعني المجاورة، وهي من اصطلاحات المسيحيين الكنائسية، واستعملها العرب لدار المطران أو الأسقف، وفي سنة 1172م بنيت كنيسة على موقع الحرم الإبراهيمي الشريف، والى الغرب منها شيدت القلعة، ولكن بعد معركة حطين سنة 1187م استطاع القائد المسلم صلاح الدين الأيوبي أن يحررها من الصليبيين ويحول كنيستها إلى جامع وهو الحرم الحالي.
و تعرضت الخليل للغزو المغولي المدمر كغيرها من المدن الفلسطينية، و دخلت الخليل تحت الحكم المملوكي واستمر حتى عام 1516م وقد اهتم بها سلاطين المماليك فأصبحت مركزاً للبريد خاصة مصر وغزة وغور الصافي والشويك.
كانت تضم عدداً من المدارس أهمها القميرية والفخرية وعيون المار، ومن أهمها عين سارة وعين الحمام عين الشمعية، أما عن المقابر فأهمها مقبرة البقيع والمقبرة السفلى وفي عام 1517 خضعت الخليل تحت الحكم العثماني، ومن أهم الأحداث التي تعرضت لها الخليل أثناء الحكم العثماني وقوعها في يد إبراهيم باشا المصري، في عام 1831 – 1840م.
ثم خضعت الخليل كغيرها من المدن الفلسطينية للانتداب البريطاني عام 1917 و ارتبط اسمها بظروف الحرب العالمية الأولى وانتصار الحلفاء على الدولة العثمانية.
ومن معالم المدينة العمرانية
المسجد الإبراهيمي:
من أهم المنشآت المعمارية التي ارتبطت باسم مدينة الخليل، يقع إلى الجنوب الشرقي من المدينة الحديثة، ويحيط بالمسجد سور ضخم يعرف بالحير، بني بحجارة ضخمة بلغ طول بعضها ما يزيد على السبعة أمتار بارتفاع يقارب المتر، ويصل ارتفاع البناء على بعض المواضع إلى ما يزيد على الخمسة عشر متراً، ويرجح أن السور من بقايا بناء أقامه هيرودوس الأدومي في فترة حكمه للمدينة (37 ق.م – 4 م) .
شيد السور فوق مغارة المكفيلة التي اشتراها ابراهيم عليه السلام من عفرون بن صوحر الحشي، والتي هي مرقد الأنبياء إبراهيم ويعقوب و أزواجهم عليهم السلام.
تعرض المسجد ولا يزال يتعرض لاعتداءات الإسرائيليين بهدف تحويله إلى معبد يهودي ومن أفظع ما تعرض له المجزرة التي ارتكبت في الخامس عشر من رمضان25/2/1994م من قبل جولد شتاين -أحد مستوطني كريات أربع- بينما كان المصلون ساجدين في صلاة الفجر، وقد ذهب ضحية هذه المجزرة 29 مصلياً، فضلاً عن جرح العشرات، وعلى أثر المذبحة قسم المسجد بين المسلمين واليهود كسابقة في تاريخ المساجد الإسلامية.
رامة الخليل أو حرمة رامة الخليل:
كانت تقوم على هذه البقعة قديماً بلدة تربينتس، وهي تقع بالقرب من مدخل مدينة الخليل في الناحية الشمالية الشرقية منها، ويقال : أن إبراهيم عليه السلام أقام في هذه البقعة أكثر من مرة، وفيها بشرت الملائكة سارة بمولودها اسحق، وقد كانت هذه المنطقة مركزاً تجارياً مهما في عهد الرومان ، جذب إليه الكثيرين من سوريا وفلسطين ومصر، خاصة في عهد الإمبراطور هدريان ( 117 –138 م ) وفي عام 325 م بنى قسطنطين الكبير فيها كنيسة لا تزال آثارها ماثلة إلى اليوم.
حجارة البناء مماثلة لحجارة المسجد الإبراهيمي، ولم يتبق منها سوى ثلاثة مداميك في بعض المواضع، ويوجد في الزاوية الجنوبية الغربية للموقع بئر مسقوفة، بنيت بالحجارة إلا أن السقف محطم في بعض المواضع، وبالقرب من هذا البئر توجد أحواض حجرية صغيرة كانت تستعمل لسقي المواشي والحيوانات.
كنيسة المسكوبية:
تقع في حديقة مضيفة الروم الأرثوذكس في ظاهر المدينة الغربي، وقد بنيت في مطلع هذا القرن، وهي الموقع الوحيد الخاص بالمسيحيين في المدينة، مساحتها 600 متر مربع تقريباً مبنية بالحجر اتخذت في مخططها شكل الصليب.
البلوطة:
تقع بالقرب من الكنيسة وهي اليوم شبه ميتة، ذكر بعض المؤرخين أن الملائكة ظهرت لإبراهيم عليه السلام في هذه البقعة حين بشرته بإسحاق ، إلا أن الأغلبية تؤكد أن ذلك حدث في رامة الخليل، أو منقطة غرة.
الأرض المقامة عليها المضيفة والكنيسة مستأجرة من تميم مجاهد من قبل أقلية من الروس تبلغ مساحتها حوالي سبعين دونماً.
بركة السلطان:
تقع وسط المدينة إلى الشمال الغربي من المسجد الإبراهيمي، بناها السلطان سيف الدين قلاون الألفي الذي تولى السلطنة على مصر والشام أيام المماليك ( 678 – 689 و 1279 – 1290 م) بحجارة مصقولة ، وقد اتخذت شكلاً مربعاً بلغ طول ضلعه أربعين متر تقريباً.
وبسبب كثرة حوادث الغرق وتكاثر البعوض وانبعاث الروائح الكريهة قررت دائرة الأوقاف الإسلامية وبالاتفاق مع بلدية الخليل ودائرة الصحة، تفريغها من المياه وتجفيفها نهائياً وإغلاق القنوات المؤدية إليها، كما عارض قسم الآثار والتابع للإدارة العامة في القدس إقامة أي مشروع عليها، وذلك حفاظاً على التراث الإسلامي والتاريخي، حيث تعتبر البركة من ممتلكات دائرة الأوقاف الإسلامية.
مشهد الأربعين:
يقع في أعلى جبل الرميدة المقابل للمسجد الإبراهيمي من الناحية الجنوبية الغربية، ويعرف أيضا بمقام أو دار الأربعين، والمشهد يضم مسجداً قديماً كانت دائرة الأوقاف الإسلامية توليه الرعاية والاهتمام، وذلك قبل مذبحة 15 رمضان عام 1994 ، حيث منعت السلطات الإسرائيلية موظفي الدائرة الوصول إليه، هناك بعض الآثار التي تشير إلى أن هذا الموقع حامية عسكرية في عصور مختلفة، وقد تعرض هذا الموقع لانتهاكات المستوطنين اليهود وعلى فترات مختلفة