مذبحة كفر قاسم.. ملح وبارود في جروح الناجين
يحيي أهالي قرية كفر قاسم في فلسطين المحتلة عام ،48 اليوم الاثنين الذكرى السنوية الحادية والخمسين للمذبحة التي اقترفتها “إسرائيل” بحقهم وراح ضحيتها 49 فلسطينياً وعشرات الجرحى.
وسيطوف أهالي كفر قاسم مساء اليوم في شوارع البلدة في مسيرة مشاعل لاحياء ذكرى الضحايا ولمطالبة “إسرائيل” بالاعتراف بالمجزرة التي استهدفت ترهيب من تبقى من فلسطينيي 48 ودفعهم إلى الرحيل تحت غطاء العدوان الثلاثي عام 1956.
وقالت الناشطة الأهلية هيا صرصور ل “الخليج”: ان متحف الشهداء الذي يحتوي على صور الضحايا وملابسهم وأغراضهم اضافة إلى أعمال فنية مستوحاة من المجزرة سيكون مفتوحاً أمام طلاب المدارس وأهالي القرية والزائرين، مشيرة إلى أن المتحف يهدف إلى تأمين رواية المذبحة للناشئة التي لا تزال مهددة بالتبادل السكاني وتعديل الحدود وغيرها من أشكال الترحيل “العصرية”.
وأكد المؤرخ عادل مناع ل “الخليج” أن مجزرة كفر قاسم نفذت ضمن خطة تهدف إلى ترحيل فلسطينيي “منطقة المثلث” بواسطة الترهيب على غرار ما حدث في دير ياسين، موضحاً أن القرية التي كانت تعد نحو 2000 نسمة قبل النكبة يبلغ عدد سكانها اليوم نحو 18 ألف نسمة. ونوه إلى أن منطقة المثلث التي تشمل كفر قاسم لم تحتل وانما سلمت بموجب اتفاقية رودوس عام ،49 مشيراً إلى ان العقلية الصهيونية لم تحتمل العدد الكبير لسكانها العرب.
وأوضح مناع ان “إسرائيل” قتلت في الفترة بين 1949 إلى 1956 نحو 3000 فلسطيني بدم بارد معظمهم ممن حاولوا العودة بعد تهجيرهم إلى بلدان الجوار، وذلك على يد الوحدة الخاصة التي كان يقودها الارهابي أرييل شارون والتي عرفت باسم الوحدة 101. واستذكر المؤرخ الأجواء عشية المذبحة، مشيراً إلى ان “إسرائيل” نفذت سلسلة مجازر، حيث قامت في شهر سبتمبر/ أيلول عام 1956 بقتل 20 جندياً أردنياً في هجوم على معسكرهم، ثم قتلت 39 فلسطينياً في قرية حوسان قضاء بيت لحم، و88 آخرين في قلقيلية بنفس الشهر.
وروى الحاج اسماعيل عقاب بدير “أبو عزمي” (70 عاماً) الناجي من المجزرة بعد اصابته وبتر ساقه انه اصطدم بثلاثة جنود ملثمين في مدخل كفر قاسم مساء يوم المجزرة، مشيراً إلى ان جنود الاحتلال أوقفوا كل من وصل في طابور، ثم ما لبث الضابط ان أصدر أمره بالعبرية: “احصدوهم” وفعلاً فتحوا النار علينا وكنت أسمع سليم أحد أبناء البلدة وهو يصرخ “يا أولادي”. وأوضح ان الجنود سارعوا إلى نقل الجثث من الشارع إلى كرم الزيتون المجاور، منوهاً إلى انه تظاهر بالموت بعد اصابته في ساقه. وأضاف “عندها سمعت أحد الجنود يقول عبر جهاز اللاسلكي: لقد قتلنا أكثر من عشرين وكان القائد يجيبه: أكملوا.. اكملوا”. وروى أبو عزمي بعينين دامعتين أنه زحف على قدميه ويديه وسط العتمة نحو الجهة الشرقية وانه تسلق شجرة زيتون ومكث عليها بعد أن لف موقع الجرح بخرقة طيلة يومين. وقال “في البداية خشيت من النزول من الشجرة، ولاحقاً عجزت عن ذلك لأن جرحي تفاقم وانتفخت ساقي بل صرت أشاهد الديدان تخرج منها، وصباح ثالث يوم المجزرة ناديت سيدة مرت قريباً مني ولم تسمعني بسبب ضعف صوتي وعندها رميت بنفسي فأحست بي واستدعت أهل البلد الذين نقلوني إلى المستشفى حيث بترت ساقي”. وأكد أبو عزمي صعوبة استرجاع الذكرى بعد انقضاء نصف قرن عليها، وقال إنها لا تزال بالنسبة لي بمثابة وضع الملح أو البارود في جرحه غير المندمل.