يحتفل الشعب الفلسطيني بالذكرى أل 45 لانطلاقة الثورة الفلسطينية المعاصرة، ومع بداية كل عام جديد، يتجدد الأمل الفلسطيني بطريقة مذهلة، يعانق الحلم وغيوم كانون، وينتشر مع المطر والبرد على مساحة تمتد في التاريخ ولا تكتفي بنهاية يحددها التقويم العبري لمصير الشعوب الحرّة.
الإسرائيليون يسمعوننا ويروننا، نضيء شجرة ميلاد الثورة كما نضيء شجرة عيد الميلاد، تتزامن الحرية مع عذابات المسيح الفلسطيني وتزدحم الصلاة بالفلسطينيين حاملين ثالوثهم المقدس من القدس الى المهد، مصرين أن يضعوا حدا للمعاناة والعذاب لينزلوا الى حقولهم وبيوتهم سالمين أسيادا على حياتهم وذاكرتهم وطقوسهم الكنعانية.
45 عاما والشمس تضحك، لم تغب عن وجه فلسطين رغم الأبراج العسكرية العالية، والجدار العنصري المرتفع، ورغم طائرات تسمم الأجواء بالفسفور والقنابل، فالشمس صديقة الباحثين عن الحياة والدفء، ولا تغادر حتى لو ازداد القصف والقتل والاستيطان وجنون دولة قررت أن تعيش في الحرب الى أبد الآبدين.
45 عاما والشمس تضحك للفلسطينيين، تسير معهم في جنازات الشهداء، تحفر أسماءهم بالضوء والماء، وتهبط بكبرياء الى زنازين المعتقلين تقرأ عليهم سورة العودة واندحار الجلادين في يوم قادم دلت عليه البراهين والدورة السنوية لأجساد واقفة تشبه شجر الزيتون.
المجتمع الاسرائيلي لم يجر نقاشا مع نفسه رغم مرور 45 عاما على احتلاله وسيطرته على الشعب الفلسطيني، كأنه عديم الإحساس، ضحل القيم، مقياسه في الحياة هو عدد القتلى من الطرف الفلسطيني، كأن غياب الحدود السياسية يملي عليه غياب الحدود الأخلاقية، لا يستمتع إلا بالهتافات العنصرية وبعربدة المستوطنين وبمشاهد الاعتقالات الجماعية ومشاهد السجون.
المجتمع الاسرائيلي لم يتحرر من الخوف والأسطورة ويصل الى قناعة أن الشمس ليست لهم وحدهم، وأن الحرب لا تقتل البشر وحدهم، بل تقتل العقل والروح، لم يسمع صوت يقول أن الدولة التي أقيمت استنادا الى قرار الأمم المتحدة تتصرف كمجنونة حتى تضرب بعرض الحائط قرارات الأمم المتحدة ومجلس الأمن وتغرق كثيرا في كوابيس الفلسطينيين وأحلامهم المذبوحة.
لم يسمعوا ذلك الاسرائيلي الذي قال: أنه أصبح اليوم من المخجل أن تكون إسرائيليا لأنه شاهد الصور والأحداث وآلاف الموتى في الحرب على غزة، رأى المدارس والمستشفيات ومطاحن القمح والمصانع الصغيرة وهي تقصف بلا رحمة، وشاهد سحب الفسفور الأبيض تتعالى فوق رؤوس التجمعات السكانية وأجساد الأطفال المحترقة.
لم يدرك المجتمع الاسرائيلي حجم الحماقة الاسرائيلية وتبريراتها الكاذبة وقد تمخضت منهجية الكذب وغدت تشمل الجميع من أقصى اليمين الى أقصى اليسار لتبقى مشغولة أكثر من أي دولة في العالم بتدمير واغتصاب حقوق سكان الدولة الأصليين.
45 عاما ونحن نزرع لمستقبل آخر لنا ولغيرنا، وسلكنا كل الطرق، من الخيمة الى البندقية الى المفاوضات، ولملمنا وطننا الضائع من كل المنافي لنكون هنا في دولتنا الجميلة الصغيرة والمحمية بالعدالة والسلام وبإرادة شعب لا يريد أن يظل عبدا في نظام الاحتلال.
45 عاما ونحن ننتظر أن يعود أبناؤنا من السجن والمؤبد أومن قبور مجهولة لكي يجتمع الأحياء والشهداء هنا على أرض حكايتهم ويتوزعون في نشيدهم ويبدأون بالنسيان.
عندما نحتفل كفلسطينيين بالذكرى 45 لانطلاقة الثورة الفلسطينية فإننا أيضا نحتفل بمأساة دولة اسرائيل، الدولة المحكومة بنظامين: نظام الأمن والعسكر ونظام العنصرية الى الحد الذي جعلها دولة إرهاب ترتكب الجرائم الإنسانية والتطهير العرقي وسرقة أعضاء الشهداء، ويكفيها أن اسمها صار ملاحقا في العالم هاربة من القانون وأسئلة الضحايا.
نحتفل بسقوط خرافة الضحية الاسرائيلي الذي تحول الى جلاد وسجان وقاتل، هذا الجلاد لم يعلن الانتصار ولا مرة منذ 45 عاما، رغم كل ما استخدمه من جبروت وقوة طاغية، ولم ينظر الى المرآة ليرى وجها بشعا غارقا في دماء الأبرياء وعتمة طويلة تحجبه أن يرى نفسه سوى شبحا مسلحا يجيد إطلاق النار.
45 عاما والشمس لا زالت تضحك للفلسطينيين، فالوعي الفلسطيني يتجه نحو البناء والحياة، ، بينما الوعي الاسرائيلي يتجه نحو الخطيئة والتطرف والعدوان، وما بينهما يحتفل أولادنا وشهداؤنا وأسرانا في مقاومة تجمع بين الحاضر والمستقبل داخل جرح لم يتوقف عن الخفقان، رائحة ورد في المكان، وأغنية تقلق السجان في سجن عسقلان.
45 عاما والفلسطينيون يأملون أن يكون عام 2010 مختلفا، وليس مجرد عام آخر وأن لا يمر مثل العام 2009 والذي أخفق في تحقيق آمالنا وتطلعاتنا، أن يكون العام الجديد فرصة لأحداث تحول دراماتيكي في سياسة العالم تجاه فلسطين والفلسطينيين، أن يكون عاما ينتهي فيه آخر احتلال في العصر الحديث.